«العصافير» قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني
قصة قصيرة للكاتب الدكتور صلاح البسيوني

جلس على كرسيه أمام المكتب الكبير داخل الغرفة المتسعة على الرغم من الأثاث الكثير الذي تحتويه.. بالدور الخامس في المبنى العتيق الذي يحتويه الصمت القاتل.. بعد أن كان يموج بآلاف البشر في الصباح.

ويأتي المساء ليأتي القليل من العاملين.. يحتويهم العمل في صمت ويبتلعهم السكون الموحش.. تبدأ الشمس رحلتها نحو الغروب.. يشق صمت المكان زقزقة آلاف من العصافير العائدة إلى أعشاشها فوق قمم الأشجار التي تحيط بساحة السيارات أمام المبنى عازفه سيمفونية رائعة بلا مايسترو.

يتحرك واقفا ويتجه إلى الشباك الذي يتوسط حائط الغرفة.. يتفحص المكان وكأنه يبحث عن شيء.. ربما يبحث عن المايسترو المجهول لهذا الحشد الهائل من العازفين المهرة.. ربما يحاول أن يتخيل أين كانت هذه الطيور منذ الصباح.. وهل عادت بلا جراح صياد!! يستغرقه التفكير ويحتويه.. يحمله على بساط الزمن.. ينتقل به الى حيث الماضي القريب يرى أشباحا صغيره تنظر إليه تمد يدها تحاول أن تجذبه عبر ستائر الزمن نحوها لتحتويه ويحتويها.

يشعر برعشة تسري في أوصاله.. شيء ما لا يستطيع أن يتبينه.. ولكنه يشعر به يجذبه نحوهم وهم يحاولون الوصول إليه.. صراخهم لا يصل إليه ولكنه يشعر بصداه يتردد في داخله.. وكلما اقتربت يداه منهم اصطدمت بحائط الزمن الفاصل بينهم.. وتظل المسافات حائلا.. يدقق النظر فيهم.. يستجمع الصور المتداعية محاولا ان يتعرف عليها.. تبرق السماء بسراج ينير له الرؤيا.. أنهم ثلاثة.. صغاره الثلاثة.. طيوره المهاجرة مع والداتهم الغاضبة بلا وداع.

تزداد ضربات قلبه.. تندفع الدماء في عروقه.. يحاول جاهدا أن يمد لهم يده.. أن يسمع نداءهم.. يصرخ فيهم إني قادم إليكم يستجمع قواه الخائرة.. يستنفر أعضاء جسده المنهكة.. يدفع بكل ما ملك من قواه إلى معصمه .. يسمع طرقعة صاخبة وارتطام من حوله.. لقد حطم الحاجز الذي يفصله عنهم يشعر بالدفء يسري في يده.. ينظر إليها.. الدماء تسيل.. وشظايا زجاج النافذة يملأ المكان من حوله .. وخلفه على مقربة من الباب يقف ساعي المكتب وهو يردد في تعجب: خير يا بيه !!.. لا حول ولا قوة إلا بالله!!!